هل يحد الذكاء الصناعي من قدراتك الفكرية؟
جدول محتويات المقال
أثناء تصفحك الاعتيادي للفيديوهات في يوتيوب (YouTube) هل يروق لك أم يزعجك المحتوى الإضافي المُوصّى به ؟، يقدم المقال فكرة غنيّة لمناقشة ماهيّة الذكاء الصناعي وأُسُسِه.
ما الدور الذي يلعبه الذكاء الصناعي؟
يلعب الذكاء الصناعي دور كبير في حياتنا اليومية، ودون أن نعي ذلك فصفحة البدء في يوتيوب الخاصة بي خير مثال باعتبارها مليئة بالمحتوى المتشابه لدرجة أني سئمت من رؤية عشرات الفيديوهات المتشابهة التي شاهدتها مسبقاً أو التي نقرت عليها بالصدفة سهواً!
يعرف الذكاء الصناعي بأنه مجموعة من الخوارزميات التي تمكن النظام من التعرف على خبرات وتجارب بشرية سابقة، واستخدام هذه البيانات في توقع القرارات والاهتمامات المستقبلية، فشركة نيتفليكس (Netflix) على سبيل المثال تستخدم التعلم الآلي (machine learning) (وهو أحد فروع الذكاء الصناعي) لتحسين تجربة المستخدم من خلال تقديم محتوى ذي صلة اعتماداً على سجلات التصفح، كما يمكن للمستخدمين اختيار أولوياتهم مسبقاً بغية تخصيص تجاربهم الالكترونية.

الخوارزميات وأنماط التصفح
تعمل هذه الخوارزميات وراء الكواليس ودون توقف على اقتراح محتوى قد يكون “مثير للاهتمام” للمستخدمين اعتماداً على سجلات تصفحهم. ولكن من ناحية أخرى قد يفضل بعضنا عدم تلقي هذا المحتوى المكرر باستمرار واقتراح مواضيع مشابهة للمواقع التي سجلنا اشتراكنا بها لأنه يؤدي إلى الحد من اطلاعنا على مواضيع جديدة وحبسنا ضمن قوقعة من الأمور المحددة بشكل مشابه لدودة القز العالقة في شرنقتها ومن هنا يشار لهذه الظاهرة بالمصطلح “شرانق المعلومات” (“information cocoons”).
ابتكر الباحث Cass R. Sunstein من جامعة هارفارد هذا المصطلح في كتابه “كيف تبتكر العقول المعارف”
.”infotopia: how many minds produce knowledge”
فيتسنى للناس بمساعدة الخوارزميات رؤية ما يريدون مشاهدته فقط، في حين تكون لديهم القدرة على نقر زر إخفاء أو “لم يعجبني” بسهولة لتجنب المحتوى غير المرغوب فيه، فعلى سبيل المثال ستختار الخوارزميات تحديثات الأخبار الخاصة بك وفقاً لأنماط بياناتك التي جمعتها مسبقاً ويتم إخفاء كل المحتوى المتبقي الذي إما أنك أعربت عن عدم إعجابك به أو ببساطة لم تقم بالاطلاع عليه.
الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى فصل الناس عن بعضهم البعض في تجاربهم الالكترونية، وإبقائهم بمعزل عن التنوع في المعلومات، وبالتالي الاستقرار ضمن محيط مشابه لهم وتلقينهم نفس المحتوى المتوقع.
لا يمكننا أن ننكر أننا نعيش في حقبة (information cocoons) مليئة بمحتوى إلكتروني مصنف ومرتب ومخصص من قبل الذكاء الصناعي (AI). فالنقر على أزرار عدم الإعجاب (unlike) وإخفاء (hide) على سبيل المثال يحد من تنوع المحتوى وبالتالي من مصادر المعلومات ويؤدي في نهاية المطاف إلى الوصول لمحتوى محدد وتفاعلات اجتماعية محدودة مع أناس من نفس الاهتمامات.

هل يعتبر الموضوع بهذه الأهمية؟
نعم هو مهم! فالذكاء الصناعي يضعك ضمن إطار ضيِّق ذو أفق محدود، كما يحجب عنك المحتوى المتنوع.
اذ يمكن لجميع الأفراد الولوج لمحتوى وبيئات محددة يسجلون إعجابهم بها، وفي نفس الوقت يخفون المحتوى غير المرغوب به مما يحد من آفاقنا ورؤانا حول بعض المواضيع ويحول بيننا وبين شغفنا الطبيعي الفطري بالبحث والاستطلاع مدفوعين بما تفرضه علينا اقتراحات الذكاء الصناعي وبالتالي تصبح وجهات نظرنا محدودة.
ما هي نتائج هذا السلوك؟ يُضعف التفكير الناقد، ويُفقدنا عزيمتنا، وإصرارنا فترانا بدلاً من معارضة وجهات النظر نختار السبيل الأسهل، ألا وهو المحيط الاجتماعي الموافق لوجهات نظرنا.
وقد يفقد المستخدمون تدريجياً القدرة على التفكير الناقد المستقل في ظل سيطرة المحتوى المحدود المتشابه، ومع مرور الوقت سيميل الأشخاص المتأثرون للبقاء في بيئتهم الإلكترونية المألوفة المريحة مما ينعكس سلباً على رؤاهم، ووجهات نظرهم ويحد من آفاقهم وتصوراتهم، وإذا بهم يحاطون بأسوار من المحتوى المحدد تماماً كشرنقة دودة القز.
لا شك، أن الذكاء الصناعي يساعد المستخدمين في خياراتهم، ويعتمد عليه العديد من المحترفين للحصول على ردود أفعال سريعة ودقيقة ومتسقة لأن الآلات عادةً لا تقترف الأخطاء البشرية. ولكن هل نحن نحتاجه حقاً ليقتحم ويغير كل نواحي حياتنا بما فيها أنشطتنا الترفيهية في أوقات الفراغ؟
لا يمكننا إهمال الأذى الذي يلحقه بقدراتنا الفكرية، وبالرغم من كل شيء فإن التنوع يعتبر “نكهة ومتعة الحياة”، والبحث عن الاختلاف والتنوع سينمي ويغني وجهات نظرنا تجاه شتى المواضيع عند التفكير بطريقة ناقدة وممتعة في حياتنا الروتينية اليومية. نحن بشر نسمح بالخطأ ونرحب بالأفكار الجديدة ولذلك لا نحتاج لدقة 100% عندما نود اختيار فلم لنشاهده أو أشياء لنبتاعها من متاجرنا المفضلة.
إن اعتمادنا الكامل على الذكاء الصناعي قد يخفي العديد من المشاكل الكامنة، وبخاصة قدرة التفكير المتأصلة فينا كبشر، فسيطرة الخوارزميات على قراراتنا تعني تخلينا عن قدراتنا الفكرية البشرية وتسليمها طواعيةً لأدوات الذكاء الصناعي لينتهي بنا المطاف ونحن نسير في الأرض كالأموات الأحياء عديمي الروح والفكر (zombies).
المرجع:Is AL blinding you and shuting off your mind
ترجمة: هند صالح.
إخراج وتدقيق: ليال سلمون.
تصميم: عدنان الخطيب